21‏/09‏/2010

سكنى المطلقة في مدونة الاسرة المغربي

سكنى المطلقة






لقد ضمنت مدونة الأسرة السكنى للمطلقة في فترة العدة (الفقرة الأولى ) كما ضمنته في فترة الحضانة ( الفقرة الثانية) وذلك عبر إجراءات قانونية.
الفقرة الأولى : الإجراءات المقررة لضمان السكنى في فترة العدة.
أوصى الله عز وجل في محكم تنزيله بضرورة تمتيع المطلقة بحق السكنى لمدة العدة وذلك مصداقا لقوله تعالى: ]يا أيها النبيء إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن ياتين بفاحشة مبينة[ [1] وقوله تعالى : ]أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن[[2].
وبناء على ذلك فإن حق السكن الوارد في الآيتين عام يشمل كافة المعتدات لأنه حق لله تعالى لا يجوز للزوجين الاتفاق على خلافه إلا إذا كان هناك مبرر يقبله الشرع [3] لذلك تجب السكنى أثناء العدة للمطلقة رجعيا وللمبانة سواء كانت ملاعنـة أو مختلعة أو مبارأة [4].
ولعل الحكمة من اعتبار مكوث الزوجة أو المطلقة في بيت الزوجية لقضاء عدتها حقا من حقوق الله تعالى هي الغاية التي يوفرها من حيث إمكانية استئناف العلاقة الزوجية من جديد، خاصة وأن بقاءهما متقاربين مكانيا، قد يسرع عودة المياه إلى مجاريها عن طريق الرجعة ، مما يساهم في إعادة الدفء إلى الأسرة من جديد.
إلا أنه إذا تعذر قضاء الزوجة عدتها في بيت الزوجية لأسباب وظروف استثنائية تبرر ذلك فحينئذ يمكن لها أن تقضيها في مكان آخر خارج البيت الذي كان مقررا للزوجين[5].
وهذا ما عملت مدونة الأسرة على تكريسه من خلال المادة 84 في فقرتها الثانية: " تسكن الزوجة خلال العدة في بيت الزوجية ، أو للضرورة في مسكن ملائم لها للوضعية المادية للزوج ، وإذا تعذر ذلك حددت المحكمة تكاليف السكن في مبلغ يودع كذلك ضمن المستحقات بكتابة ضبط المحكمة".
إلا أن الإشكال الذي يثور بشأن هذه المادة هو أن المستحقات تودع قبل الإذن بالطلاق فكيف يتم التحقق من تعذر قضاء العدة ببيت الزوجية حتى يتم تقدير تكاليف السكن ضمن المستحقات والحال أن الطلاق لم يتم بعد والعدة لم يمض أجلها؟
كما نصت المادة 131 على أنه " تعتد المطلقة والمتوفى عنها زوجها في منزل الزوجية أو في منزل آخر يخصص لها".
وهكذا يتجلى من نص هاتين المادتين أن مسألة السكنى بالنسبة للمطلقة تطبق بشأنها أربعة حلول تستوجب الترتيب لا التخيير وهي على التوالي:
- الحالة الأولى : السكنى في بيت الزوجية الذي كانت تقيم به قبل الطلاق.
- الحالة الثانية : السكنى في محل آخر غير بيت الزوجية عند الضرورة أي عند ما يتعذر قضاء العدة في بيت الزوجية لظروف قاهرة تحول دون ذلك، وتقدير هذه الظروف يخضع لسلطة القضاء المعروض عليه الأمر.
وقد نصت المادة 84 على مقتضيات إضافية ترمي إلى صيانة حق المطلقة في هذه الحالة وذلك بضرورة أن يكون المسكن الجديد ملائما لها، ومناسبا للإمكانيات المادية للزوج[6].
- الحالة الثالثة : إيداع مبلغ مالي مسبقا بكتابة الضبط من طرف الزوج ، لتغطية تكاليف هذه السكنى التي تحددها المحكمة ضمن المستحقات التي ستحكم بها في إطار المادة 88 ، وذلك عند تعذر تطبيق أحد الحلين المشار إليهما في الفقرتين السابقتين ، بمعنى أن هذه الحلول الثلاثة يجب أن تطبق على وجه الترتيب ، لا علـى
وجه التخيير ، ولا يخضع اختيار أحدها لا لإرادة الزوج ولا للإرادة الزوجة المطلقة.
- الحالة الرابعة : نصت عليها الفقرة الأولى من المادة 196 وتتعلق بالحالة التي يسقط فيها حق المطلقة في السكنى خلال العدة [7] وذلك إذا انتقلت من بيت عدتها دون توفر أحد الشرطين التاليين :
- موافقة زوجها على هذا الانتقال.
- وجود عذر مقبول لدى المطلقة يبرر هذا الانتقال [8].
إلا أنه من الناحية العملية يصعب ، إثبات واقعة الخروج من بيت العدة بدون عذر وذلك نظرا لقصر فترة العدة وتكاليف دعوى استرجاع النفقة بعد أدائها التي يمكن للزوج أن يرفعها ضد زوجته تفوق المبلغ المؤمل استرجاعه[9].
هكذا إذن تستفيد المطلقة بصفتها معتدة من حقها في السكنى، كما تستفيد من نفس الحق بصفتها حاضنة.
الفقرة الثانية : الإجراءات القانونية لضمان السكنى في فترة الحضانة.
لقد أثارت سكنى الحاضنة نقاشا اجتماعيا ، إذ أصبح من العسير على المطلقة توفير مسكن خاص بها لتطلب ذلك مبالغ طائلة ، فتعددت المنازعات والأقضية التي تمثل صراعا بين الزوجين بعد الطلاق على توفير مسكن لإيواء المطلقة ومحضونها . وأمام الفراغ القانوني في هذه المسألة اختلفت أحكام المجلس الأعلى في هذا الصدد ، فبعضها مكن الزوجة والأولاد من المسكن ، وبعضها مكن الزوج وطرد الزوجة والأولاد ليواجهوا وحدهم تدبير مأوى لهم في وقت عز فيه الحصول على مسكن[10].
وفي الواقع سكن المطلقة له علاقة بدرجة الوعي والتربية واليسر المادي، والأوضاع الاجتماعية المؤثرة مباشرة أو بشكل غير مباشر في علاقة الرجل بامرأته المطلقة وأولاده منها والنسائيون مقتنعون أن أضعف الإيمان أن يترك الرجل مطلقته وأولاده منها في بيتهم وينسحب في سلام وهدوء ليؤسس أسرة أخرى إن شاء [11] كما فعل المشرع التونسي.
وقد قضى المجلس الأعلى في غرفته الاجتماعية بتمكين المطلقة ومحضونيها من سكنى الحضانة ناقضا بذلك قرار ا صادرا عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء لكونه قضى بإفراغ الزوجة المطلقة من البيت الذي تأويه مع محضونيها[12].
أما مدونة الأسرة فقد خصصت المادة 168 للحديث عن سكنى المحضون، وحيث أن الأم تعد حاضنة لأولادها فإن المقتضيات القانونية التي تسري على سكنى المحضون هي نفسها السارية على الأم الحاضنة، من أجل ذلك سأرجئ الحديث عنها إلى القسم المتعلق بمستحقات الأطفال بعد الطلاق هذا الأخير يرتب آثارا معنوية على المرأة ، مما جعل الشارع الحكيم، ومدونة الأسرة يفرضان لها حقها في المتعة.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] - سورة الطلاق ، الآية : 1.

[2] - سورة الطلاق ، الآية : 6.

[3] - محمد ابن معجوز ، مرجع سابق ، ص : 132.

[4] - مدونة الإمام مالك ، ج 5 ، ص : 474.

[5] - محمد أكديد : حقوق المطلقة في مدونة الأسرة ، مجلة كتابة الضبط عدد 13 لشهر نونبر 2005 ، ص : 139 وما بعدها.

[6] - محمد أكديد ، مرجع سابق ، ص : 140 و ص 141.

[7] - المادة 196 : " المطلقة رجعيا يسقط حقها في السكنى دون النفقة إذا انتقلت من بيت عدتها دون موافقة زوجها أو دون عذر مقبول".

[8] - محمد أكديد ، مرجع سابق ، ص / 141.

[9] - أحمد الخمليشي : التعليق على قانون الأحوال الشخصية ، ج 2 ، الطبعة الأولى ، 1994 ، مطبعة المعارف الجديدة ، الرباط ، ص : 231.

[10] - محمد بودلاحة : وضعية المرأة في تقنينات الأحوال الشخصية لدول المغرب العربي أطروحة لنيل الدكتوراه في الشريعة ، كلية الشريعة 1999 ـ 2000 ، ص : 721.

[11] - محمد بشيري : مناقشة المطالب النسائية الهادفة إلى تغيير مدونة الأحوال الشخصية أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص ، كلية الحقوق ، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء ، سنة 1994 – 1995 ، ص : 685.

[12] - حيث جاء في القرار الصادر عن الغرفة الاجتماعية بتاريخ 23 يوليوز 1984 ، منشور بمجلة القضاء والقانون ، العددان 135 – 136 وما بعدها : " طبقا لمقتضيات الفصل 127من مدونة الأحوال الشخصية فإن السكنى هي من مشمولات نفقة الأولاد وحقا من حقوقهم وأن الحاضنة ما دامت ملتصقة بمحضونيها فهي تسكن معهما بصفتها هاته ولا حق لها في التنازل عن حقوق محضونيها ولهذا فإن المحكمة عندما اعتبرت موافقة الطاعنة على تحديد النفقة وانتظامها بالإفراغ يفقدها حقها في السكنى مع أولادها بحكمها بالإفراغ تكون قد خالفت الفصل 127 المذكور وعرضت قرارها للنقض ... ". أورده محمد بودلاحة في نفس المرجع ، ص : 721.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابعث تعليق لصديق